شهدت الساحة الإقليمية تصعيداً لافتاً بين إيران وإسرائيل، حيث شنت طهران هجوماً باستخدام نحو 100 طائرة مسيّرة من طراز “شاهد” وصواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى، مستهدفة العمق الإسرائيلي.
هذا التصعيد يمثل نقطة تحوّل في قواعد الاشتباك بين الطرفين، ويكشف عن تطور تقني وعسكري نوعي في الصراع الإقليمي.
وأطلقت إيران موجات مسيّرات انتحارية تهدف إلى تشتيت منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، تلتها دفعات من الصواريخ الباليستية مثل “شهاب 3″ و”فاتح 110” وأنواع أحدث، قادرة على حمل رؤوس متفجرة ثقيلة وتغطية مسافات تفوق 1500 كيلومتر. هذه الهجمات تكشف عن استراتيجية مزدوجة تعتمد على الكم لإرباك الدفاعات، تليها ضربات مركزة لاختبار حدود قدرة الردع الإسرائيلي.
ورداً على الهجوم، نشطت شبكة الدفاع الجوي الإسرائيلية متعددة الطبقات، التي تشمل “القبة الحديدية” و”مقلاع داود” و”السهم”، مدعومة بأنظمة أمريكية مثل “باتريوت” و”Aegis” المنتشرة في المنطقة.
رغم الاعتراضات الناجحة لغالبية الهجمات، خرق بعض الصواريخ والمسيّرات الدرع الدفاعي، مما يشير إلى نقاط ضعف تكتيكية عند مواجهة إغراق ناري متزامن.
ويبرز من التحليلات العسكرية أن الطائرات المسيّرة الإيرانية تستخدم كأداة تشويش واستنزاف، نظراً لانخفاض كلفتها وصعوبة رصدها على ارتفاعات منخفضة، بينما تمثل الصواريخ الباليستية السلاح الإستراتيجي الأهم بقدرتها التدميرية العالية والرسائل الردعية التي تحملها.
غير أن إطلاق الصواريخ يحمل أبعاداً سياسية حساسة، إذ يُعتبر تصعيداً مباشراً قد يؤجج النزاع بشكل أوسع.
وتتضح من المواجهة بين طهران وتل أبيب اختلافات جوهرية في العقائد العسكرية؛ فإسرائيل تعتمد على “الضربة الكاسحة” التي تركز على الهجوم الوقائي السريع والدقيق لإعادة تشكيل ميزان الردع، بينما تسير إيران وفق عقيدة “الاستنزاف المنضبط” التي تعتمد على الهجمات المتدرجة والموزعة بهدف الضغط النفسي والتشكيك في فعالية الردع الإسرائيلي على المدى الطويل.
وفي ظل هذه التطورات، أظهرت الجولة الأخيرة أن التكنولوجيا العسكرية الإيرانية باتت قادرة على تحدي منظومات الدفاع الإسرائيلية، وأن المواجهة لم تعد مقتصرة على وكلاء وإنما تحولت إلى صراع مباشر بين دولتين، يعكس تحولات استراتيجية في الشرق الأوسط. هذا التصعيد الجديد يضع المنطقة أمام سيناريوهات معقدة قد تتجاوز منطق الحسابات التقليدية، مع تداخل مصالح دولية وإقليمية متزايد.
المصدر: الجزيرة