أحدث مختبر DeepSeek للذكاء الاصطناعي، رغم أنه وجه جديد نسبيًا في عالم التكنولوجيا، ثورةً هائلةً في وادي السيليكون بإطلاقه نموذجًا مفتوح المصدر يتفوق على عمالقة التكنولوجيا الغربية.
فقد حقق نموذج DeepSeek-R1 أداءً متفوقًا على نماذج رائدة مثل OpenAI o1 في العديد من معايير الرياضيات والمنطق، مما يضع الصين في صدارة المنافسة العالمية في هذا المجال.
نهج مبتكر يتحدى العقوبات
لم يعتمد DeepSeek، على عكس معظم الشركات الصينية، على شراء كميات هائلة من الرقائق الإلكترونية باهظة الثمن.
بدلاً من ذلك، ركز على تحسين بنية نماذج الذكاء الاصطناعي، واستخدام الموارد المتاحة بكفاءة عالية.
يُعزى هذا النهج إلى العقوبات الأمريكية التي قيّدت وصول الشركات الصينية إلى التكنولوجيا المتقدمة.
وأثبت DeepSeek أن التقدم ممكن حتى في ظل هذه القيود، من خلال التركيز على تحسين البرمجيات. كما أشادت البروفيسورة مارينا زانغ من جامعة التكنولوجيا في سيدني بهذا النهج المبتكر قائلةً: “DeepSeek تبنت أساليب مفتوحة المصدر، تجمع الخبرات الجماعية وتعزز الابتكار التعاوني”.
من صندوق تحوط إلى ثورة في الذكاء الاصطناعي
بدأ DeepSeek كفرع بحثي تابع لصندوق High-Flyer، أحد أكثر صناديق التحوط الكمية نجاحًا في الصين.
استخدم High-Flyer أصوله الضخمة، التي تتجاوز 15 مليار دولار أمريكي، في بناء مركز بيانات عملاق لتحليل البيانات المالية.
ثم قرر ليانغ ونفينغ، مؤسس DeepSeek والمتخصص في علوم الكمبيوتر، في عام 2023، تخصيص موارد الصندوق لبناء نماذج ذكاء اصطناعي متطورة، مع طموح تطوير ذكاء اصطناعي عام.
فريق شاب ومتحمس
لم يعتمد ليانغ على مهندسين ذوي خبرة، بل اختار طلاب الدكتوراه من جامعات صينية مرموقة مثل بكين وتسينغوا، مع التركيز على الشغف العلمي بدلاً من الخبرة الصناعية.
يُعد هذا النهج مختلفًا تمامًا عن الشركات التقنية الكبرى في الصين، حيث غالبًا ما تتنافس الفرق على الموارد.
وقد أثبت هذا الفريق الشاب قدرته على تحقيق إنجازات كبيرة، مدفوعًا بالرغبة في إثبات الذات والمساهمة في تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي.
كما أكد ليانغ أن هذه الكفاءات الشابة قادرة على التفرغ التام للمشروع دون اعتبارات مادية.
كفاءة DeepSeek في استخدام الموارد
تميز DeepSeek بكفاءة استثنائية في استخدام الموارد الحاسوبية، فقد استخدم نموذجه الأخير عُشر الطاقة الحاسوبية اللازمة لتدريب نموذج Llama 3.1 من Meta، وفقًا لمعهد Epoch AI للأبحاث.
وهذا يعود إلى استخدام تقنيات متقدمة مثل Multi-head Latent Attention (MLA) وMixture-of-Experts، بالإضافة إلى تقنيات هندسية مبتكرة.
كما أوضحت وندي تشانغ، محللة سياسات في معهد مركاتور للدراسات الصينية، أن DeepSeek جمعت طرقًا موجودة سابقا بطريقة مبتكرة لتحقيق نتائج استثنائية.
مصدر مفتوح ومستقبل واعد
قرار DeepSeek بنشر نموذجه مفتوح المصدر كان قرارًا استراتيجيًا ذكيًا، فقد جذب هذا القرار المزيد من المستخدمين والمساهمين، مما سيساهم في تطوير النموذج بشكل أسرع.
يعتبر هذا النهج ضروريًا للوصول إلى مستوى الشركات الغربية، نظرا لقدرة النماذج المفتوحة المصدر على التطور بسرعة أكبر.
وختامًا، يُرجح أن يُحدث هذا النجاح تغييرًا كبيرًا في تقدير القدرات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي، مما قد يُشكّل تحديًا للعقوبات الأمريكية المفروضة على صادرات التكنولوجيا المتقدمة.