تحالف صالح – الحوثي… والمواجهة المؤجلة بين عدوِّي الأمس

مدير التحرير18 ديسمبر 2016
الحوثيون في صنعاء (رويترز)
الحوثيون في صنعاء (رويترز)

تحالف الرئيس اليمني السابق المخلوع علي عبدالله صالح أواخر العام 2013 ومطلع العام 2014 مع الحركة الحوثية بعد نحو أربع سنوات على الجولة السادسة من الحرب التي شنها الجيش اليمني ضد الحوثيين والتي انتهت أواخر العام 2009. لكن أين تلتقي مصالح الحليفين وأين تفترق؟ وهل سيؤثر الصراع الدموي بين الجماعتين في تحالفهما اليوم؟ ثم إلى متى يصمد هذا التحالف، وما هي العوامل المساعدة على صموده، أو التي ستقود إلى انهياره؟ ولمن ستكون الغلبة؟

من المعلوم أن صالح يجيد بناء التحالفات، ويجيد أيضاً الانسحاب منها بأقل مقدار من الخسائر، وبناء تحالفات جديدة تتناسب مع كل مرحلة وبما يتوافق مع تطورات الأحداث السياسية التي تجرى في اليمن ويخدم توجهاته وأهدافه المرحلية، وهو ما مكنه خلال فترة حكمه الممتدة لنحو 33 عاماً من اللعب على التناقضات، واستخدام مختلف الأطراف والقوى داخل البلاد وإشغالها بصراعات بينية تخدم أهدافه وغاياته السياسية، وتطيل أمد بقائه في السلطة.

اليوم يدرك صالح جيداً أن تحالفه مع الحركة الحوثية يحمل في ثناياه أخطاراً عالية عليه شخصياً وعلى القيادات العسكرية والسياسية الموالية له، غير أنه «تحالف الضرورة» بالنسبة الى صالح وأركان نظامه السابق الذين يستميتون للبقاء في طليعة المشهد السياسي اليمني، وعدم الخروج منه، حفاظاً على مصالحهم التي كانت ثورة شباط (فبراير) 2011 تهددها بالزوال، والأمر ذاته بالنسبة الى الحوثيين الذين وجدوا في التحالف مرحلياً مع صالح ضالتهم المنشودة لتحقيق حلمهم في الوصول إلى السلطة والسيطرة عليها، على رغم إدراكهم أخطار هذا التحالف عليهم في المستقبل.

صالح الذي خرج من السلطة في شكل مغاير لنظرائه في تونس ومصر وليبيا، ليبقى لاعباً سياسياً فاعلاً في المشهد اليمني، من خلال حزبه المؤتمر الشعبي العام الذي أبقاه شريكاً بالنصف في سلطة ما بعد الثورة على نظام حكمه، ظل موجوعاً من القوى التي ثارت ضده العام 2011، ويتحين الفرصة لضربها، وأبرزها التجمع اليمني للإصلاح والقيادات القبلية الموالية له بخاصة أولاد الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر، والقوات العسكرية التي انشقت عنه وأيدت الثورة بقيادة اللواء علي محسن الأحمر.

الحوثيون أيضاً وعلى رغم انخراطهم عام 2011 مع قوى الثورة التي أطاحت نظام حكم صالح، لم يتجاوزوا صراعهم المذهبي مع تجمع الإصلاح السني، وحقدهم على قوات الفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء علي محسن، التي أوكلت إليها مهمة الحرب ضدهم لستّ جولات متتالية، وبدعم من القوى القبلية الموالية لأولاد الشيخ الأحمر في بعض المراحل.

 

استغلال متبادل

ولهذا دفعت الرغبة الجامحة للحوثيين وصالح في الانتقام من الخصوم المشتركين الى تجاوز خلافهما موقتاً، وفق رأي العديد من المراقبين والسياسيين، والانخراط في تحالف يرى كل طرف أنه يمثل ضرورة قصوى تسهل للطرفين ضرب الخصوم، ومن ثم كان صالح يعتقد أن هذا التحالف سيمكنه – بعد القضاء على خصومه- من العودة إلى الحكم، ولو من خلال نجله أحمد، ويرى الحوثيون أن تصفية الساحة السياسية وضرب القوات العسكرية والقبلية الموالية لخصومهم، سيمهدان لهم الطريق للوصول إلى السلطة والسيطرة على نظام الحكم.

ويعتقد سياسيون يمنيون تحدثوا إلى «الحياة» أن صالح قدم للحوثيين مختلف أنواع الدعم (السلاح، المقاتلين، المال)، بل وقام بتسويقهم سياسياً لدى بعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة، لتغض الطرف عن تمدد الحوثيين للوصول إلى العاصمة صنعاء، وبالتالي حقق تحالف (صالح – الحوثي) أهدافه في ضرب القوى القبلية والعسكرية والسياسية التي يعتبرها التحالف عدوه الرئيس ممثلة في أولاد الشيخ الأحمر وقوات الفرقة الأولى مدرع وحزب التجمع اليمني للإصلاح، وسيطروا فعلياً على السلطة بمختلف مفاصلها.

وفيما صالح يستخدم الحوثيين لتصفية خصومه، كان الحوثيون يستغلون صالح وحزبه والقوات التابعة له وما يقدمه لهم من دعم للغرض ذاته وللظهور كقوة لا تغلب، وتوسيع مناطق نفوذهم وسيطرتهم على أوسع نطاق جغرافي، بل والوصول إلى مختلف مفاصل الدولة العسكرية والأمنية والمدنية والقضائية للسيطرة على القرار فيها في شكل كامل وبمباركة صالح وأتباعه، الذين كان هدفهم وفق العديد من المصادر تحميل جماعة الحوثي منفردة وزر الأخطاء التي ترتكب في إدارة شؤون الدولة، من خلال رصد ممارسات وفساد وفشل القيادات الحوثية التي تصدرت المشهد، واستغلال كل ذلك ضدهم مستقبلاً.

غير أن الحوثيين لم يكترثوا لذلك، وسعوا لإحكام قبضتهم على مختلف مفاصل الدولة، وتعزيز قوتهم من خلال الاستيلاء وبكل الوسائل على كميات كبيرة من مختلف أنواع الأسلحة سواء التي كانوا يحصلون عليها من المعسكرات التي تسقط بأيديهم وهي التابعة لقوات الفرقة الأولى مدرع، أم الأسلحة التي كان يزودهم بها حليفهم صالح، إضافة إلى تمكنهم من الدفع بأعداد كبيرة من قياداتهم وعناصرهم للوصول إلى العديد من الوحدات العسكرية التابعة لقوات الحرس الجمهوري.

 

تمدد الحوثيين جنوباً

بيد أن انسحاب حزب التجمع اليمني للإصلاح من ساحة المواجهة مع الحوثيين في معركة العاصمة صنعاء في ايلول( سبتمبر) 2014، أفسح المجال أمام ميليشيا الحوثي للسيطرة على مختلف مؤسسات الدولة، الأمر الذي لم يشف غليل صالح في ضرب حزب الإصلاح والقضاء عليه، وفي الوقت ذاته أضحت الميليشيا الحوثية قوة وحيدة في الساحة اليمنية وهو ما يخشاه صالح.

وتؤكد المكالمات الهاتفية المسربة لصالح مع قيادات حوثية، أنه كان وراء الدفع بالميليشيا للخروج من العاصمة صنعاء والتمدد جنوباً نحو محافظات ذمار والبيضاء وإب وتعز قبل الاتجاه إلى عدن ومحافظات الجنوب، وملاحقة قيادات وعناصر الإصلاح الذين بقوا في اليمن، وتقول مصادر سياسية يمنية لـ «الحياة»، أنه كان يهدف إلى إرغام حزب الإصلاح على خوض المواجهة المسلحة مع الحوثيين، في مختلف مناطق اليمن لتحقيق غايتين: الأولى كسر شوكة الإصلاح، والثانية تشتيت الميليشيا الحوثية وإضعاف قدراتها، لتسهل إزاحتها من المشهد مستقبلاً، ليبقى هو وحزبه المؤتمر الشعبي العام القوة الوحيدة في البلاد.

وتؤكد المصادر أن الحوثيين وعلى رغم تحالفهم مع صالح لم ينسوا بعد الحروب الست التي خاضها الجيش اليمني ضد الحوثيين ومصرع زعيم الحركة ومؤسسها حسين الحوثي في الجولة الأولى من الحرب، وأنهم يعتبرون صالح الخصم الرئيس وإن كانوا أجلوا المواجهة معه لمرحلة لاحقة. يقول أحد قياديي الحركة الحوثية لـ «الحياة» مبرراً التحالف مع صالح ومواجهة اللواء علي محسن قائد قوات الفرقة الأولى مدرع: «صالح الآن يقدم لنا الدعم المادي والعسكري والشعبي برضاه، أما علي محسن فلا يمكن أن يفعل ذلك، ولهذا نحارب علي محسن ونؤجل صالح».

وتؤكد مصادر مطلعة مقربة من الحوثيين، أنهم عملوا في شكل جاد ومكثف لتخزين كميات كبيرة من الأسلحة المتنوعة منذ بدء خروجهم المسلح من حدود محافظة صعدة باتجاه المحافظات الأخرى، وفي الوقت ذاته يعمدون للانخراط ضمن قوات الحرس الجمهوري التي تدين بالولاء لصالح ولو بأعداد محدودة ليوفروا لقيادة الحركة الحوثية المعلومات اللازمة التي تحتاجها، إضافة إلى العمل على استنزاف مخزون السلاح المتوافر لدى قوات الحرس الجمهوري في هذه الحرب للحد من قدرتها مستقبلاً.

 

التحالف العربي يربك الحسابات

غير أن دخول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية خط المواجهة في آذار (مارس) 2015، لمصلحة الرئيس الشرعي وحكومته وقوات المقاومة التي ينتمي جلها لحزب الإصلاح، أربك حسابات صالح والحوثيين على حد سواء، وأضعف قدراتهما العسكرية، لكن التحالفات القوية التي يقيمها صالح مع زعماء معظم القبائل اليمنية تبقيه في المقدّم.

واتجه كل من حليفي الانقلاب وفق العديد من المعطيات التي تكشفت تباعاً، للبحث عن فرص النجاة في مقابل التخلي عن الحليف، اذ يؤكد العديد من المصادر السياسية والديبلوماسية أن صالح حاول مراراً العودة إلى أحضان التحالف العربي والتخلي عن حليفه الحوثي، مقابل إسقاط اسمه ونجله أحمد من لائحة العقوبات الدولية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، وضمان بقائه لاعباً في المعترك السياسي وشريكاً في مرحلة ما بعد الحرب، في حين سعى الحوثي للتفاوض المباشر مع المملكة العربية السعودية من دون علم شريكه صالح، إلا أن مساعيهما لم يكتب لها النجاح.

ويرى كثر من اليمنيين أن تحالف (صالح – الحوثي) سيستمر طالما بقي الخطر محدقاً بهما، ولكن عوامل تفكك الحلف تبدو جلية على أكثر من صعيد، وإلى جانب الخلافات التي تتكشف بينهما في مناطق المواجهات التي تمتد من أطراف محافظة مأرب شرقاً إلى محافظة الجوف مروراً بمنطقة نهم، وحتى الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية شمالاً، ومن محافظة تعز حتى محافظة البيضاء.

وتؤكد مصادر عسكرية يمنية تحدثت إلى «الحياة»، أن خلافات الحليفين في مناطق المواجهات سببها محاولات القيادات الحوثية السيطرة على قيادة العمليات العسكرية، وإزاحة قيادات القوات النظامية التابعة للحرس الجمهوري التي تمتلك المهارة والخبرة واستبدال قيادات حوثية بها، والمحاولات الدائمة للدفع بقوات الحرس للصفوف الأمامية وبقاء عناصر الميليشيا في الخطوط الخلفية للحفاظ عليها، وتعمد الميليشيا إظهار أي مكاسب تتحقق في خطوط المواجهات لنفسها وتجاهل دور قوات الحرس الجمهوري، وهو ما يثير حفيظة صالح والقيادات العسكرية الموالية له.

وتقول المصادر إن صالح وجه منذ بداية الحرب في اليمن، أعداداً كبيرة من قيادات الحرس الجمهوري بمغادرة وحداتهم العسكرية والبقاء في منازلهم، حفاظاً عليهم حتى يتم استدعاؤهم للمواجهة مع الحوثيين، وأنه على رغم سماحه لميليشيا الحوثي بالسيطرة على بعض وحدات الحرس الجمهوري، رفض وفي شكل مطلق السماح للميليشيا بالسيطرة على ألوية أخرى من قوات الحرس، بخاصة قوات الاحتياط والألوية التي تتمركز في مناطق ضبوة وريمة حميد جنوب العاصمة صنعاء، والقوات الخاصة في منطقة الصباحة غرباً، وألوية الحرس المتمركزة في مناطق أرحب ونهم شمال شرق العاصمة، الأمر الذي جعل من هذه الألوية نقاط خلاف قوية مع الحوثيين.

وعلى المستوى السياسي، تعمل الميليشيا الحوثية وبكل قوة لتهميش قيادات وعناصر حزب المؤتمر الشعبي العام، وإقصاء أعداد كبيرة من مناصبها، في مختلف وحدات الجهاز الإداري للدولة، واستبدال عناصر تنتمي للحركة الحوثية بها، الأمر الذي يثير غضب صالح والموالين له. غير أن صالح، وفق مقربين منه، يعمل بنفس طويل، وقال قيادي مؤتمري أنه التقى صالح وأبلغه ما يتعرض له قياديو المؤتمر من جانب المشرفين واللجان الحوثية في كل مرافق الدولة، وأن صالح طلب منه الصبر والتحمل، وأكد له أن «بقاء الحوثيين لن يطول وسوف يتبخرون ويتوارون قريباً».

كما يشن أتباع صالح حملات واسعة ضد الحوثيين وفسادهم المالي في كل المرافق الحكومية التي يسيطرون عليها، وكشف مواطن فشلهم وعجزهم عن إدارتها، خلال النقاشات المجتمعية، وفي أوساط موظفي الجهاز الإداري للدولة، مستغلين عجز الحوثيين عن صرف مرتبات الموظفين لأربعة أشهر متتالية، بل وبرزت هذه الخلافات من خلال الحملات الإعلامية المتبادلة، بين الحليفين في وسائل الإعلام التابعة لكل منهما، ومن خلال ناشطي الحليفين في وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى رغم تشكيل تحالف (الحوثي – صالح) حكومة مشتركة، فإن خلافات كثيرة تهدد بفشلها، وأبرز نقاط الخلاف وفق مصادر مقربة من حزب المؤتمر الشعبي العام، استمرار ما يسمى باللجان الثورية التابعة للحوثي في ممارسة مهماتها في مختلف مؤسسات الدولة، وهو ما يعيق وزراء الحكومة ويحول دون ممارسة مهامهم في إدارة وتسيير شؤون وزاراتهم، إضافة إلى سيطرة هذه اللجان على الإيرادات العامة للدولة، وعدم توريدها للبنك المركزي.

نقاط الخلاف والتوتر بين حليفي الانقلاب على الشرعية في اليمن، لا تزال أكثر بكثير من نقاط الالتقاء، إضافة إلى انعدام الثقة بينهما، وتربص كل طرف بالآخر، يجعل مستقبل تحالف (صالح – الحوثي) في مهب الريح، بل يعزز عوامل تفككه، ودخول الحليفين في مواجهة قادمة، وإن تأخر أوانها لبعض الوقت.

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق